فصل: تفسير الآيات (168- 171):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (165- 167):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}
لما فرغ سبحانه من الدليل على وحدانيته، أخبر أن مع هذا الدليل الظاهر المفيد لعظيم سلطانه، وجليل قدرته، وتفرّده بالخلق، قد وجد في الناس من يتخذ معه سبحانه ندّاً يعبده من الأصنام.
وقد تقدّم تفسير الأنداد، مع أن هؤلاء الكفار لم يقتصروا على مجرد عبادة الأنداد، بل أحبوها حباً عظيماً، وأفرطوا في ذلك إفراطاً بالغاً، حتى صار حبهم لهذه الأوثان، ونحوها متمكناً في صدورهم كتمكن حبّ المؤمنين لله سبحانه، فالمصدر في قوله: {كَحُبّ الله} مضاف إلى المفعول، والفاعل محذوف، وهو المؤمنون. ويجوز أن يكون المراد: كحبهم لله، أي: عبدة الأوثان، قاله ابن كيسان، والزجاج، ويجوز أن يكون هذا المصدر من المبني للمجهول: أي: كما يُحَب الله. والأولى أولى لقوله: {والذين ءامَنُواْ أَشَدُّ حُبّا لِلَّهِ} فإنه استدرك لما يفيده التشبيه من التساوي، أي: أن حبّ المؤمنين لله أشدّ من حبّ الكفار للأنداد؛ لأن المؤمنين يخصون الله سبحانه بالعبادة، والدعاء، والكفار لا يخصون أصنامهم بذلك، بل يشركون الله معهم، ويعترفون بأنهم إنما يعبدون أصنامهم؛ ليقرّبوهم إلى الله، ويمكن أن يجعل هذا، أعني قوله: {والذين ءامَنُواْ أَشَدُّ حُبّا لِلَّهِ} دليلاً على الثاني؛ لأن المؤمنين إذا كانوا أشد حباً لله لم يكن حبّ الكفار للأنداد كحبّ المؤمنين لله؛ وقيل: المراد بالأنداد هنا الرؤساء، أي: يطيعونهم في معاصي الله، ويقوى هذا الضمير في قلوبهم: {يُحِبُّونَهُمْ} فإنه لمن يعقل، ويقوّيه أيضاً قوله سبحانه عقب ذلك: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا} الآية. قوله: {وَلَوْ تَرَى الذين ظَلَمُواْ} قراءة أهل مكة، والكوفة، وأبو عمر وبالياء التحتية، وهو: اختيار أبي عبيد. وقراءة أهل المدينة، وأهل الشام بالفوقية، والمعنى على القراءة الأولى: لو يرى الذين ظلموا في الدنيا عذاب الآخرة؛ لعلموا حين يرونه أن القوّة لله جميعاً، قاله أبو عبيد. قال النحاس: وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير. انتهى. وعلى هذا، فالرؤية هي: البصرية لا القلبية.
وروي عن محمد بن يزيد المبرّد أنه قال: هذا التفسير الذي جاء به أبو عبيد بعيد، وليست عبارته فيه بالجيدة؛ لأنه يقدّر: ولو يرى الذين ظلموا العذاب، فكأنه يجعله مشكوكاً فيه.
وقد أوجبه الله تعالى، ولكن التقدير، وهو الأحسن: ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله، ويرى بمعنى يعلم، أي: لو يعلمون حقيقة قوّة الله، وشدّة عذابه. قال: وجواب لو محذوف: أي: لتبينوا ضرر اتخاذهم الآلهة، كما حذف في قوله: {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار} [الأنعام: 27] {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبّهِمْ} [الأنام: 30].
ومن قرأ بالفوقية، فالتقدير: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب، وفزعهم منه لعلمت أن القوّة لله جميعاً.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك، ولكن خوطب بهذا الخطاب، والمراد به أمته، وقيل: {أن} في موضع نصب مفعول لأجله: أي: لأن القوّة لله، كما قال الشاعر:
وأغفُر عوراءَ الكَرِيمِ ادّخارَه ** وأعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللئيم تكَرُّمَا

أي: لادّخاره، والمعنى: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب؛ لأن القوّة لله لعلمت مبلغهم من النكال، ودخلت {إذ} وهي لما مضى في إثبات هذه المستقبلات، تقريباً للأمر، وتصحيحاً لوقوعه.
وقرأ ابن عامر: {إِذْ يَرَوْنَ} بضم الياء، والباقون بفتحها. وقرأ الحسن، ويعقوب، وأبو جعفر: {إن القوّة} و{إن الله} بكسر الهمزة فيهما على الاستئناف، وعلى تقدير القول.
قوله: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا} بدل من قوله: {إِذْ يَرَوْنَ العذاب} ومعناه: أن السادة، والرؤساء تبرءوا ممن اتبعهم على الكفر.
وقوله: {وَرَأَوُاْ العذاب} في محل نصب على الحال: يعني التابعين، والمتبوعين، قيل: عند المعاينة في الدنيا، وقيل: عند العرض، والمساءلة في الآخرة، ويمكن أن يقال فيهما جميعاً، إذ لا مانع من ذلك.
قوله: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب} هي: جمع سبب، وأصله في اللغة: الحبل الذي يشد به الشيء، ويجذب به، ثم جعل كل ما جرّ شيئاً سبباً، والمراد بها: الوُصَل التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا من الرحم، وغيره، وقيل: هي الأعمال. والكرّة: الرجعة، والعودة إلى حال قد كانت، و{لو} هنا في معنى التمني كأنه قيل: ليت لنا كرّة، ولهذا وقعت الفاء في الجواب. والمعنى: أن الأتباع قالوا: لو رُددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحاً، ونتبرأ منهم كما تبرّءوا منا. والكاف في قوله: {كَمَا تَبَرَّءواْ مِنَّا} في محل نصب على النعت لمصدر محذوف. وقيل: في محل نصب على الحال، ولا أراه صحيحاً.
وقوله: {كذلك يُرِيهِمُ الله} في موضع رفع، أي: الأمر كذلك، أي: كما أراهم الله العذاب يريهم أعمالهم، وهذه الرؤية إن كانت البصرية فقوله: {حسرات} منتصب على الحال، وإن كانت القلبية، فهو المفعول الثالث، والمعنى: أن أعمالهم الفاسدة يريهم الله إياها، فتكون عليهم حسرات، أو يريهم الأعمال الصالحة التي أوجبها عليهم، فتركوها، فيكون ذلك حسرة عليهم. وقوله: {وَمَا هُم بخارجين مِنَ النار} فيه دليل على خلود الكفار في النار، وظاهر هذا التركيب يفيد الاختصاص، وجعله الزمخشري للتقوية لغرض له يرجع إلى المذهب، والبحث في هذا يطول.
وقد أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد في قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَادًا} قال: مباهاة، ومضاهاة للحق بالأنداد {والذين ءامَنُواْ أَشَدُّ حُبّا لِلَّهِ} قال: من الكفار لآلهتهم.
وأخرج ابن جرير، عن أبي زيد في هذه الآية قال: هؤلاء المشركون أندادهم آلهتهم التي عبدوا مع الله يحبونهم كما يحبّ الذين آمنوا الله {والذين ءامَنُواْ أَشَدُّ حُبّا لِلَّهِ} من حبهم لآلهتهم.
وأخرج ابن جرير، عن السدّي في الآية قال: الأنداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون الله إذا أمروهم أطاعوهم، وعصوا الله.
وأخرج عبد بن حميد، عن عكرمة نحو ما قال ابن زيد.
وأخرج ابن جرير، عن الربيع في قوله: {وَلَوْ تَرَى * الذين ظَلَمُواْ} قال: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم، فاتخذوا من دوني أنداداً يحبونهم كحبكم إياي حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم، لعلمتم أن القوّة كلها لي دون الأنداد، والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئاً، ولا تدفع عنهم عذاباً أحللت بهم، وأيقنتهم أني شديد عذابي لمن كفر بي، وادّعى معي إلهاً غيري.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة في قوله: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا} قال: هم الجبابرة، والقادة، والرءوس في الشرك. {مِنَ الذين اتبعوا} قال: هم: الشياطين تبرّءوا من الإنس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، عن ابن عباس في قوله: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب} قال: المودة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه قال: هي: المنازل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عنه قال: هي: الأرحام.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وأبو نعيم في الحلية، عن مجاهد قال: هي الأوصال التي كانت بينهم في الدنيا، والمودة.
وأخرج عبد بن حميد، عن أبي صالح قال: هي الأعمال.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن الربيع قال: هي المنازل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة في قوله: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} قال: رجعة إلى الدنيا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي العالية في قوله: {حسرات} قال: صارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {وَمَا هُم بخارجين مِنَ النار} قال: أولئك أهلها الذين هم أهلها.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ثابت بن معبد قال: ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت: {وَمَا هُم بخارجين مِنَ النار}.

.تفسير الآيات (168- 171):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}
قوله: {أَيُّهَا الناس} قيل: إنها نزلت في ثقيف، وخزاعة، وبني مدلج فيما حرّموه على أنفسهم من الأنعام. حكاه القرطبي في تفسيره، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقوله: {حلالا} مفعول، أو حال، وسمي الحلال حلالاً لانحلال عقدة الحظر عنه. والطِّيب هنا: هو المُسْتَلَذّ كما قاله الشافعي، وغيره.
وقال مالك، وغيره: هو الحلال، فيكون تأكيداً لقوله: {حلالا}. و{من} في قوله: {مِمَّا في الأرض} للتبعيض للقطع بأن في الأرض ما هو حرام.
{خطوات} جمع خُطْوة بالفتح، والضم، وهي: بالفتح للمرة، وبالضم لما بين القدمين. وقرأ القراء {خَطوات} بفتح الخاء، وقرأ أبو سماك بفتح الخاء، والطاء، وقرأ عليّ، وقتادة، والأعرج، وعمرو بن ميمون، والأعمش: {خُطؤات} بضم الخاء، والطاء، والهمز على الواو. قال الأخفش: وذهبوا بهذه القراءة إلى أنها جمع خَطية من الخطأ؛ لا من الخطو. قال الجوهري: والخطوة بالفتح: المرة الواحدة، والجمع خطوات، وخطا. انتهى. والمعنى على قراءة الجمهور: لا تَقْفُوا أثر الشيطان، وعمله، وكلُّ ما لم يرد به الشرع، فهو منسوب إلى الشيطان، وقيل: هي النذور، في المعاصي، والأول التعميم، وعدم التخصيص بفرد، أو نوع.
وقوله: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أي: ظاهر العداوة، ومثله قوله تعالى: {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} [القصص: 15] وقوله: {إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً} [فاطر: 6] وقوله: {بالسوء} سمي السوء سوءاً؛ لأنه يسوء صاحبه بسوء عاقبته، وهو مصدر ساءه يسوؤه سوءاً، ومساءة إذا أحزنه. {والفحشاء} أصله سوء المنظر، ومنه قول الشاعر:
وَجِيدٍ كَجِيد الرِّئم لَيْسَ بِفَاحِشٍ

ثم استعمل فيما يقبح من المعاني، وقيل: السوء: والقبيح، والفحشاء: التجاوز للحدّ في القبح، وقيل السوء: ما لا حدَّ فيه، والفحشاء: ما فيه الحدّ، وقيل: الفحشاء: الزنا. وقيل: إن كل ما نهت عنه الشريعة، فهو من الفحشاء.
وقوله: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} قال ابن جرير الطبري: يريد ما حرّموه من البحيرة، والسائبة، ونحوهما، مما جعلوه شرعاً. وقيل: هو قولهم: هذا حلال، وهذا حرام، بغير علم. والظاهر أنه يصدق على كل ما قيل في الشرع بغير علم، وفي هذه الآية دليل على أن كل ما لم يرد فيه نصّ، أو ظاهر من الأعيان الموجودة في الأرض، فأصله الحلّ حتى يرد دليل يقتضي تحريمه، وأوضح دلالة على ذلك من هذه الآية قوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض} [البقرة: 29] والضمير في قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} راجع إلى الناس؛ لأن الكفار منهم، وهم المقصودون هنا، وقيل: كفار العرب خاصة، و{أَلْفَيْنَا} معناه: وجدنا، والألف في قوله: {أوَ لو كان آباؤهم} للاستفهام، وفتحت الواو؛ لأنها واو العطف.
وفي هذه الآية من الذم للمقلدين، والنداء بجهلهم الفاحش، واعتقادهم الفاسد ما لا يقادر قدره، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} الآية [المائدة: 104]، وفي ذلك دليل على قبح التقليد، والمنع منه، والبحث في ذلك يطول.
وقد أفردتُه بمؤلَّفٍ مستقلّ سميته: القول المفيد في حكم التقليد واستوفيت الكلام فيه في: أدب الطلب ومنتهى الأرب.
وقوله: {وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ} فيه تشبيه واعظ الكافرين، وداعيهم، وهو: محمد صلى الله عليه وسلم بالراعي الذي ينعق بالغنم، أو الإبل، فلا يسمع إلا دعاءً، ونداءً، ولا يفهم ما يقول، هكذا فسره الزجاج، والفراء، وسيبويه، وبه قال جماعة من السلف، قال سيبويه: لم يشبهوا بالناعق، إنما شبهوا بالمنعوق به، والمعنى: مثلك يا محمد، ومثل الذين كفروا، كمثل الناعق، والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم، فحذف لدلالة المعنى عليه.
وقال قُطْرُب: المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم ما لا يفهم: يعني الأصنام، كمثل الراعي إذا نعق بغنمه، وهو لا يدري أين هي. وبه قال ابن جرير الطبري.
وقال ابن زيد: المعنى: مثل الذين كفروا في دعائهم الآلهة الجماد كمثل الصائح في جوف الليل، فيجيبه الصدى، فهو يصيح بما لا يسمع، ويجيبه ما لا حقيقة فيه. والنعيق: زجر الغنم، والصياح بها، يقال نعق الراعي بغنمه، ينعق نعيقاً، ونعاقاً، ونعقاناً: أي: صاح بها وزجرها، والعرب تضرب المثل براعي الغنم في الجهل، ويقولون: أجهل من راعي ضأن. وقوله: {صُمٌّ} وما بعده إخبار لمبتدإ محذوف: أي: هم صمّ بكم عمي.
وقد تقدم تفسير ذلك.
وقد أخرج ابن مردويه، عن ابن عباس قال: «تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم يعني: {يأَيُّهَا الناس كُلُواْ مِمَّا في الأرض حلالا طَيّباً} فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه، فما يتقبل منه أربعين يوماً، وأيّما عبد نبت لحمه من السُّحت، والربا، فالنار أولى به».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه في قوله: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} قال: عمله.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه أنه قال: «ما خالف القرآن، فهو من خطوات الشيطان».
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن مجاهد أنه قال: خطاه.
وأخرجا أيضاً، عن عكرمة قال: هي نزغات الشيطان.
وأخرج أبو الشيخ، عن سعيد بن جبير، قال: هي تزيين الشيطان.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة قال: كل معصية لله، فهي من خطوات الشيطان.
وأخرج عبد بن حميد، عن ابن عباس قال: ما كان من يمين، أو نذر في غضب، فهو من خطوات الشيطان، وكفارته كفارة يمين.
وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، عن ابن مسعود أنه أتى بضرع، وملح، فجعل يأكل، فاعتزل رجل من القوم، فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم. فقال: لا أريد، فقال: أصائم أنت؟ قال لا. قال: فما شأنك؟ قال: حَرَّمْتُ على نفسي أن آكل ضرعاً، فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان، فأطْعَمْ، وكفَرّ عن يمينك.
وأخرج عبد بن حميد، عن عثمان بن غياث، قال: سألت جابر بن زيد، عن رجل نذر أن يجعل في أنفه حلقة من ذهب، فقال: هي من خطوات الشيطان، ولا يزال عاصياً لله، فليكفر عن يمينه.
وأخرج عبد بن حميد، عن الحسن أنه جعل يمين من حلف أن يحجّ حبواً من خطوات الشيطان.
وأخرج عبد بن حميد، وأبو الشيخ، عن أبي مجلز قال: هي: النذور في المعاصي.
وأخرج ابن جرير، عن السدي في قوله: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بالسوء} قال: المعصية؛ {والفحشاء} قال: الزنا.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس؛ قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام، ورغّبهم فيه، وحذَّرهم عذاب الله، ونقمته، فقال له رافع بن خارجة، ومالك بن عوف: بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا، فهم كانوا أعلم، وخيراً منا، فأنزل الله في ذلك: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} وأخرج ابن جرير، عن الربيع، وقتادة في قوله: {أَلْفَيْنَا} قالا: وجدنا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ} الآية، قال: كمثل البقر والحمار والشاة، إن قلت لبعضهم كلاماً لم يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك، وكذلك الكافر إن أمرتَه بخير، أو نهيتَه عن شرٍّ، أو وعظته لم يعقل، ما تقول غير أنه يسمع صوتك.
وروى نحو ذلك عن مجاهد أخرجه عبد بن حميد، وعن عكرمة، أخرجه وكيع.
وأخرج ابن جرير، عن ابن جريج قال: قال لي عطاء في هذه الآية: هم اليهود الذين أنزل الله فيهم: {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب} إلى قوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النار}.